top of page

دروس ملخصة

في الأدب والنقد

 الكلاسيـكيّــــــة
-11

   إن كلمة «كلاسيكي» لغة مشتقّـة من الكلمة اللاتينية (classis) التي كانت تطلق في القديـم على وحدة في الأسطـول، ثم تطـورت دلاليّا، وأصبحت تدلّ على وحدة دراسيّة، أي فصل مدرسي. والأدب الكلاسيكي يتكون من المؤلفات الإغريقية واللاتينية القديمة التي أفلتت من طوفـان الزّمن، وحرصـت الإنسانيـة على إنقـاذها من الفنـاء لما فيها من خصائص فنّيّة وقيـم إنسانيّـة تضمـن لها الخلود، وتجعلها أداة صالحــة لتربيــة الناشئـين في فصـول الدراســة.

  خصائص الكلاسيكية: 

تقوم الكلاسيكية على أساس النزعة العقلية، فالعقل هو الذي يقود القلب والخيال ويكبح جماحهما، ومن ثمّ اتسم الأدب الكلاسيكي بـ:

  • الوضوح، والميل إلى حشد الأفكار مع خلوّها من التعقيـد والالتواء.

  • الحرص على جودة الصياغة اللّغوية وفصاحة التعبير.

  • التعبير عن حاجات الطبقة الأرستقراطية ورغباتها.

  • اقتباس الموضوعات من التاريخ القديم.

  • اتباع الأصول القديمة، والتمسك بالقيم الأدبية التي سار عليها أدباء اليونان والرومان.

  • محاكاة ما أبدعه اللاتينيون من أعمال أدبية شامخة.

  أثر الكلاسيكية في الأدب العربي الحديث:  

كان للكلاسيكية تأثير محدود في الأدب العَـرَبِي الحديث، وقد ظهـر هـذا التأثير على نحو خاص في الشعـر المسـرحي ، عندما اتصـل بعض كتّابه بالمسـرح الفـرنسي الكلاسيكي عن طـريق الترجمة والاقتبـاس، وكان أولّ من أدخل المسـرح إلى المشـرق العـربِي هـو مارون النّقّـاش الذي أخـذ فن الإخراج عن الإيطاليين ، وقد ظهرت آثار الكلاسيكيـة بوضوح في مسرحيات أحمد شوقي الذي اتصـل بالأدب الكلاسيكي اتصالا مباشـرا بحكـم سفـره إلى فرنسا وإقامتـه بِها، فاقتفى بعض عنـاصـر  المذهـب الكلاسيكي فِي مسـرحيـاتـه الشّعـريّـة، ومن أهمّها:

  • عنصر الصراع بين الهوى والواجب.

  • الاعتماد على الشعر أسلوبا للتعبير.

  • استخدام اللّغة الراقية.

  • استمداد الموضوعات من التاريخ القديم. لكن شوقي لم يعن عناية كبيرة بقانون الوحدات الثلاث.

 الـرّومــانســيّـــة
-12

  الرومانسيّة كلمة مشتقة من كلمة رومانيوس «ROMANIUS» التي أطلقت على اللّغـات والآداب التي تفرعت عن اللّغة اللاتينية القديمة والتي كانت تعتبر في القرون الوسطى كلهجات عامية للغة روما القديمة (اللاتينية)، ثم تطورت إلى لغـات فصيحـة ابتداء من عصر النهضة، وهي المعروفة اليوم بالفرنسية والإيطالية والإسبانية والبرتغالية والرومانية، والرومانسيّـة إحدى لهجات سويسرا. وقد قصد الرومانسيون باختيارهم هذا اللّفظ عنوانا لمذهبهم، إلى المعـارضـــة بين تاريخهم وأدبِهم وثقافتهم القوميّـة، وبين التاريخ والأدب والثقافة الإغريقية و اللاتينية القديمة التي سيطرت على الكلاسيكية وقيّدت أدبَها بِما استنبط منها من أصـول وقـواعـد.

 

خصائص الرومانسية: يمكننا أن نلخص أهم الملامح العامة للمضمون الرومانسي فيما يأتِي:

  • الإغراق في الغنائية، وطلب الحرية والانطلاق.

  • التعبير عن القلق والكآبة والتشاؤم، وتأزم الفكر، والشعور بالجبرية.

  • تقديم الخيال على العقل، وتفضيله على التحليل النقدي، والفرار من الواقع، والالتجاء إلى لحلم.

  • اتخاذ الطبيعة ملاذًا وأنيسًا، ومحاورًا في تحليل الانفعال النفسي.

  • بروز الفردية، وعبادة الذات، والمغالاة في عرض شؤونها.

  • الدفاع عن الضعفاء والتطلّع إلى عالم فاضل تسوده مبادئ العدل والمساواة.

ومن الناحية الشكلية، فالرومانسية تنادي بتحطيم القيود والقواعد، و تركز على التّلقائيّـة و الغنائيّة والفطرة والموهبة، وبهذا تخلّصت لغة الشّعـر من وعورتها، وأصبحت سهلة مشرقة العبارة، شديدة المرونة.

 

  أثر الرومانسية في الأدب العربي الحديث:

بدأ تأثير الرومانسية في الأدب العربِي في زمن مبكر من القرن العشرين على يد شعراء المهجر وقد ساعد على ذلك سببان هما:

  • الحاجة إلى التجديد على مستوى الحياة السياسية والأدبية.

  • استجابة الرومانسية لما تطفح به نفوس الأدباء من حنين إلى الوطن وثورة على الظلم والحرمان والامتزاج بالطبيعة.

و قد ظهرت الرومانسية في الأدب العربِي الحديث على شكل مذهب نظري قبل أن يجسّدها الأدباء في إنتاج فنّيّ وتمثّل ذلك في كتابين نقديين هما: الديوان الذي أصدره العقّـاد مع المازنِي سنة 1921م، والغربال الذي ألّفه ميخائيل نعيمـة سنة 1923م. و تحت ظلّ الرومانسية نشأت تنظيمات أدبيـة ضمت شعراء رومانسيين اشتهروا بتجديدهم في مضمون الشعر وشكله وأبرزها:

  1- الرابطة القلمية (مدرسة المهجر): ونشأت هذه المدرسة بمدينة نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1920م على أيدي بعض الأدباء العرب المهاجرين من لبنـان وسوريـا بريـادة كلّ من عبد المسيح حداد، وجبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة، وإيليا أبِي ماضي، ونسيب عريضة وغيرهم... وقد استمرت هذه المدرسة حتى سنة 1931 م حيث تفرّق أعضاؤها فانتقلت لتنبت على أرض جديدة في أمريكا الجنوبية و خاصة في البرازيل وحمل رايتها كلّ من هشام معلوف وإلياس فرحات والشاعر القروي، وأطلقوا عليها اسم « العصبة الأندلسية ».

ومن أهم أهداف هذه المدرسة ما يأتي:

  • نشر اللّغة العربية وآدابها في بلاد المهجر.

  • الحفاظ على التراث العربي الأصيل بين أبناء الجاليات العربية وربطهم بلغة وطنهم الأم.

  • مساعدة الأدباء العرب بالمهجر على رفع مستواهم المادي والثقافي معا.

  • تحرير الأدب العربي من قيود التقليد والزخارف ورفع مستوى أساليبه وألفاظه وأوزانه ومضامينه الشعرية.

  • محاربة الظلم العثماني في بلاد الشام، والعمل على استقلال الشعب العربي.

ويمكن أن نميّز في نزعتهم الأدبية المظاهر الآتية:

  • الحنين إلى الوطن.                                       -  الثورة على القديم ومحاولة التجديد في الفنون الأدبية.

  • الإيمان بالقومية العربية والدعوة إليها.          -  الإيمان بالحرّيّة على اختلاف وجوهها.

  • النزعة الإنسانية السامية.                            -  النزعة الفلسفيّة ومحاولة الكشف عن أسرار الكون والحياة.

وما يميّز المهجريين أنّهم يبالغون في ذكر الطبيعـة والاندماج فيها، ويغـالون في ذكر الأوطان، ولا يتحرّون الدّقّـة اللّغويّـة، ويتساهلون في مراعاة قواعد النّحو والصّرف.

   2- جماعة الديوان: نشأت هذه الجماعة في مصر سنة 1921م عندما التقى روادها الأوائل عبّاس محمود العقّاد وإبراهيم عبد القادر المازنِي وعبد الرحمن شكري على مائدة الثقافة وخاصة الأجنبية منها، واتّفقـوا على حمل راية التجديد وتحرير الأدب العربِي من قيود التقليد الذي ساد مسيرة الشعر العربِي قرونا طويلة، وقد سميت هذه المدرسة بالديوان نسبة إلى كتاب «الديوان» الذي ألّفه العقّـاد مع المازنِي والذي يتضمن أسس مدرستهم ومذهبهم النقدي الجديد متأثرين بالشعـر الرومانسي الإنجليزي. ومن أهداف هذه المدرسة:

  • تحرير الشعر العربِي من قيود التقليد السابق.            

  • توجيه الأدباء المحدثين ليتمكنوا من الخلق والإبداع.

  • فتح أبواب الثقافة والحضارة الأجنبية أمام الأجيال الناشئة في الوطن العربِي.

   3- جماعة أبولو: نشأت هذه المدرسة الأدبية بالقاهرة في سبتمبر سنة 1932م بريادة الشاعر أحمد زكي أبي شادي ورفاقـه إبراهيم ناجي، وعلي محمود طه، وكامل الصيرفي، ومصطفى الصحارتِي، وعامر البحيري، وغيرهم. وقـد عقـدت هذه المدرسة أول جلسة لأعضائها فِي منزل رئيسها الشاعر أحمد شوقي لتنظيم أمورها الأدبية والمادّية، وبعد وفاة شوقي تولّى رئاستها الشاعر خليل مطران . وقد أصدرت هذه المدرسة أول مجلّة أدبيّـة لها فِي شهر أفريل سنة 1933م لنشر أفكارها ومذهبها الأدبِي ، وقد سميت هذه المدرسة بمدرسـة أبولو نسبـة إلى إلـه الشعـر والجمال عند اليونانيـين القـدماء، لكن عمرها كان قصـيرا إذِ انحلت سنة 1935م لـمّا أحسّ المستعمر بخطرها على وجوده. وقد كان من أهـداف هذه المدرسـة ما يأتِي:

 * التعـاون بين أعضائها وإنصـاف أحوالهم المادّيّـة والأدبية.

 * السمو بالشعر العربِي الحديث وتحريره من القيود القديمة وتوجيه الشعراء نحو الأصالة والتراث العربِي الأصيل.

 * مساعدة الشعراء الجدد وتوجيههم الوجهة السليمة لتكوين شعراء جديرين بمكانة هذا الأدب الرفيع.

 * إطلاع الشعراء العرب المحدثين على الآداب العالمية والتيارات النّقديّـة المتعددة لتعميق تجاربهم وتوسيع آفاقهم الفكرية.

 * تكوين جيل من الأدباء الشباب المؤمن بقوميته وعروبته.

bottom of page