top of page

دروس ملخصة

في الأدب والنقد

 الواقـعـيّـــــــــــة
-13

  إنّ المدلول الاصطلاحي للفظة الواقعية كمذهب أدبي –  رغم اضطراب دلالته وتنوع مفاهيمه –  لا ينفصل انفصالا كلّياً عن المدلول الاشتقاقي المستفاد من كلمة واقع ، فالواقعية – فِي مفهومها البسيط – تسعى إلى تصوير الواقع وكشف أسراره وإظهار خفاياه وتفسيره باستخدام التفاصيل الكثيرة المنتزعة من الحياة العاديـة، وباختيار المواقف والأحداث المحتملة الحدوث. ولكنّ الواقعيين يرون أنّ الواقع شرّ فِي جوهـره وأنّ ما يبدو خيرا ليس في حقيقته إلاّ بريقا كاذبا أو قشرة ظاهرة، ويؤولون كثيرا من المواقف النبيلة تأويلا سلبيـا. فالشجاعة عندهم تهور ويأس من الحياة، والكرم هو حب التباهي والبروز، والطموح ضرب من التكالب على الحيـاة ورغبة فِي الخلود، والحب لون من ألوان الأنانيّـة، والإنسان فِي الواقع منافق مخادع، وغير ذلك من الأحكام التي تصدر عن الرؤى والمواقف السوداويـة.

 

  خصائص الواقعية: تتمـيز الواقعيـة بالخصائص الآتيـة:

1- تصوير الواقع ولاسيما الجانب الحالك (الأسود) منه.

2- الاهتمام بالطبقة الدنيا من المجتمع ومعالجة قضاياها.

3- اتسامها بالطابع التشاؤمي والنظرة السوداء للواقع حيث ترى أنّه ينطوي على شرّ كبير.

4- الاعتماد على القصّة والمسرحية النثرية أسلوبا للتعبير.

  

اتجاهات الواقعية: يميّز النقاد اليوم بين ثلاثة اتجاهات رئيسية فِي المدرسة الواقعية وهي:

  1. الواقعية الانتقادية: وينضوي تحت هذا الاتجاه الأدب الذي يكون انتقاديـا من حيث الموقف ، واقعيا من حيث الأسلوب. ويكـون الموقـف الانتقـادي هنا اجتهاديا يعـبر عن نظـرة فـردية خاصة إلى المجتمع تتضمن مبادئ خلقـية واجتماعية من هنا وهناك ولكنّها لم تصبح بعد نظـرة إيديولوجيّـة متكـاملة. وقد اشتهـر في هـذا الاتّجـاه كلّ من دوستويفسكي الروسي، وإبسن النرويجي، وإرنست همنجواي الأمريكي. وأدباء هذا الاتجـاه يقفـون جميعا موقفـا انتقاديا إزاء المجتمع بحالته الراهنة لكنهم يتفاوتون فِي نظرتِهم إليه بين الاحتقار والسخرية والإصلاح واليأس كما يتفاوتون تفاوتا شديدا جدّاً فِي أساليبهم.

  2. الواقعية الطبيعية: وهي شكل حاد جدّاً من أشكال الواقعية يلتصق بالمادي والملموس التصاقا مبالغا فيه ويعتمد على تصوير الواقع بتطبيق المناهج العلميّـة في التحليل والتشريح على المجتمع والنفس الإنسانيّـة، فيحلّل الإنسان تحليلا فسيولوجيا لتبيان أثر البيئـة والوراثة فيه، و يعدّ «إميل زولاEmile Zola » رائد هذا المذهب بلا منازع. لكنّ تقيّد الواقعية بالعلوم التجريبية جعلها تنفي عن الإنسان حرية الإرادة والاختيار، وتعتقد بأنّ الإنسان يتصرّف وفق ما تمليه عليه غدده وأجهزته العضوية.

  3. الواقعية الاشتراكية أو الواقعية الجديدة: وهي حصيلة النظرة الماركسية إلى الفن والأدب كما هي حصيلة التجربة الأدبيـة المعاصرة لكتّاب الاتحاد السوفياتِي – سابقا – وبلدان أوروبا الشرقيـة، وموقف كتّاب هذا الاتجـاه هو الالتزام بأهداف الطبقـة العاملة والنّضال فِي سبيل تحقيق الاشتراكيـة، ومن أشهـر روادها: تشيكوف (1860- 1904) وتولستوي (1828- 1910) ومكسيم جوركي (1868- 1936) وغيرهم كثير.

  

  أثر الواقعية في الأدب العربي الحديث:

إنّ الأدب العربِي الحديث في اتجـاهه الواقعي لم يترسم خطى الواقعيّـة فِي الغرب بنظرتها المتشائمة، ورفضها للحياة، بل نهج لنفسـه نهجـا خاصّاً استوحاه من الواقع العربِي بمشكلاته الاجتماعية وقضايـاه السياسيّـة ، فراح الكتّاب يبرزون عيوب المجتمع، ويعدّدون مساوئه، ويصورون مظاهر البؤس و الحرمان بقصد الإصلاح و التغيير. فكتب طه حسين «المعذّبون فِي الأرض» وكتب توفيق الحكيم روايته «يوميات نائب فِي الأرياف» سنة 1937، ويظهر هذا الاتجاه الذي يجهر بسـوء الأحوال عند كثـير من الأدباء أبرزهم: يحي حقي في مجموعته القصصية «دماء وطين» ويوسف إدريس في روايته «الحرام»، وعبد الرحمن الشرقاوي في روايته «الأرض» ، ويعدّ محمود تيمور بقصصه القصيرة الواقعي الأول فِي الأدب العـربِي الحديث، وقد تأثر فِي ذلك بالكاتب الفرنسي ( جي دي موباسان Guy de Maupassant).

 الـرّمـــزيّــــــة
-14

الرمزية مذهـب أدبِي يعتمد على الإيحـاء بأفكار وعـواطف، باستعمـال كلمات خاصة، أو أنغـام الكلمة في نظـام دقيـق، لنقـل المعنى بتأثير خفيّ أو غـامض. وقد ظهـرت الرمزية في النصف الثانِي من القرن التاسع عشر، وهي تؤمن بعالم الجمال المثالي وتعتقد أنّ هذا العـالم يتحقّق في الفن، وأنّ الأشواق التي يجدها العـابد خلال الصلاة والتّـأمل تتحقّـق للشـاعـر الرمـزي خـلال عمــله. وقد كان الرمزيون مثـاليين فكـرا واعـتـقـدوا أنّ العـالم الملمـوس المتغـيّر ليس إلاّ انعكـاسا للمطلـق غـير المـرئي، وأنّ المطلـق لا يمكن أن يوصـف وصفـا مباشـرا بل يمكن تتبعـه عن طـريـق نظـام من الرّمـوز الموحيــة، وعلى رأي شاعــرهـم مالارميه Mallarmé: «التسميـة تدمـير والإيحـاء خلــق ».

  خصـائص الرّمــزيّـــــــــة:

  1. تعتمد الرمزية على المثالية والرمز وإبعاد الواقع البغيض القبيح.

  2. التعبير عن الفكرة بواسطة الرموز أو الحكايات أو الأساطير.

  3. توظيف الموسيقى كإيحاء لأنّها تؤدي ذلك بامتياز، فالموسيقى هي أهمّ وسائل الإيحاء عند الرمزيين

 

  اتجــاهــات الرّمــزيّــــــــة: للرمـزيـة ثـلاث اتجاهـات هي: 

  1. اتجاه غيبي: خاص بطريقة إدراك العالم الخارجي و بالوجود الذهني الذي ينحصر فيه أو الوجود الفعلي، حيث يرى أصحاب هذا الاتجاه أنّ الحقائق لا يمكن أن تدرك في ذاتها و إنّما تدرك بظواهرها الخارجية فحسب، ممّا دعا بعض الفلاسفة إلى إنكار وجود الأشياء الخارجيّـة ، ولا يرى فيها غير الصور الذّهنيّـة التي تنعكس في مداركنا عن تلك الأشياء، فأيّ شيء خارجي، لا يستمد وجوده إلاّ من الصورة الذّهنيّـة التي لدينا عنه، وفيما عدا هذه الصورة لا يعتبر له وجود خارجي.

  2.  اتجاه باطني: وهو السعي إلى اكتشاف العقل الباطني وعالم اللاوعي ، حيث اتضح أنّ عقلنا الواعي عقل محدود ، حتّى ولو سلّمنا بأنّه الحقيقة الواحدة الموجودة في هذا العالم ، واعتبرنا أنّ الصور المختزنـة في هذا العقل الواعي هي الوجود ولا وجود سواه . و هو محدود بسبب ما اتضح من أنّ خلف هذا العقل الواعي يوجد حقـل فسيح من العقل اللاواعي أي العقل الباطن وعلى كشف مجاهل هذا اللاوعي أخذت تتوفر مجهودات المفكرين.

  3. اتجاه لغوي: خاص بالبحث في وظيفة اللّغة وإمكانياتها ومدى تقيّدها بعمل الحواس وتبادل تلك الحواس، على نحو يفسح أمام الكاتب أو الشاعر مجال اللّغة وتسخيرها لتأدية وظيفة الأدب. فقد أنكر الأدباء والشعراء على اللّغة قدرتها على نقل حقائق الأشياء، وقالوا إنّها لا تعدو أن تكون رموزا تثير الصور الذّّهنيّـة التي تلقّينـاها من الخارج، وعلى هذا الأساس لا تصبح اللّغة وسيلةً لنقل المعـاني المحدّدة أو الصور المرسومة الأبعـاد، وإنّما تصبح وسيلةً للإيحاء.

 

  أثر الرمزية في الأدب العربي الحديث:

كان تأثير الرمزية في شعرنا الحديث تأثيرا طفيفا حيث ظهرت الرمزية في الأدب العربِي الحديث كوسيلة للتّعبير أكثر منها كمذهب أدبِي، ولم يكن ظهور الرّمزيّـة في أدبنا خاضعـا لنفس الظـروف التي نشأت في كنفها الرمزيّـة الغـربيّـة، التي وفـدت علينـا نتيجـة اتصـال الأدبـاء اللّبنانيين بصفـة خاصة بالأدب الغـربِي. ويعدّ الشاعــر اللّبنانِي سعيد عقـل أعظمَ ممثل للمذهـب الرّمـزي في الأدب العربِي.

ولعلّ أهم مظاهر الرمزية في الشعر العربِي ما يأتِي:

  * التقيّد بالوحدة العضويّة: التي تجعل القصيدة تنمو من داخلها، وتكوّن نسيجا حيّاً متنامياً نموا عضوياً طبيعياً يكتمل فيه كل بيت بغيره.

  * الحدس: الرّمزيّـة تؤثر الاقتصاد في التعبير، وتعتمد التلميح الذي يشير إلى الانفعالات دون أن يكشفها، ومن ثمّ فهي تترك للقارئ الحرية لتجاوز النص المكتوب بخياله وحدسه.

  * استعمال الرّمز: استعمل الرّمزيّون العـرب الرّمز لنقـل التّجـارب، والأسطورة للإيحاء بما تختلج به نفوسهم، والمعطيـات الدّينيّـة المؤثرة، والقصص النبوي، بل واستخدموا أيضا أسماء بعض الأعلام مثـل:(صقر قريش) و(عائشة) و(عنترة) إلخ... لبث حشد من الذكريات والمواقف والعواطف في قصائدهم.

bottom of page